الخطـــه فالكيـــري لنظـــام مبــــــــارك

قامت ألمانيا النازيه بقيادة هتلر إبان الحرب العالميه الثانيه بوضع خطه لإدارة البلاد واستمرار العمل  الحكومي يقوم بتفعيلها و تنفيذها الجيش الاحتياطي المسئول عن تأمين الأراضي الألمانيه حال ما إذا حلت الفوضى بدلا من السلام المدني .  وتتركز عوامل فشل الحكومه الألمانيه في السيطره على الشئون المدنيه إما في قيام الحلفاء بغارات جويه لقصف المدن الألمانيه ، أو جراء قيام ملايين العمال الأجانب في المصانع الألمانيه بانتفاضه وهم ينتمون إلى مئات الجنسيات من الدول التي قامت المانيا النازيه بغزوها وإخضاعها وإرغام عمالها على العمل في المصنانع الألمانيه.
 وتم إطلاق أسم "فالكيري" Valkyrie  على هذه الخطه ، وتم نشر تفاصيلها كاملة عام 2007 وذلك بقيام الاتحاد السوفيتي –المنحل- بنشر ما حصل عليه  من مستندات في نهاية الحرب العالميه الثانيه تبين تفاصيل العمليه فالكيري. غير أن قائد الجيش الاحتياطي المنوط به قيادة العملية فالكيري (االعقيد كلاوس شينك فون ستنفبورج) عدل في الخطه وحصل على توقيع هتلر على التعديلات التي أدخلها لأن هتلر كان يثق به ثقة كبيره ،... إلا أن تلك التعديلات كان القصد منها القيام بانقلاب على هتلر يبدأ باغتيال هتلر ثم إعلان وفاته وادعاء قيام الجستابو (الشرطه السريه) بالانقلاب على هتلر ومن ثم يصدر ستنفبورج أوامر بالقبض على قادة الجستابو وقادة الحزب النازي في كل المواقع ، ثم الاتصال بالحلفاء وإعلان أن المانيا بدون هتلر لا تريد خوض هذا الجنون من الحروب .
ومما لا شك فيه ، أن ما من دولة على الكرة الأرضيه إلا ولديها خطة لإدارة البلاد في حالة "الطوارئ" ، إلا أن تعريف اصطلاح "الطوارئ" يتوقف على نظام الحكم القائم أثناء وضع مثل هذه الخطه ، فمثلا في ظل النظم الشموليه الديكتاتوريه التي حكمت العالم العربي ولا زال البعض منها قائما ، سيكون معنى الطوارئ "كل فعل من شأنه تعريض نظام الحكم القائم للخطر والانهيار" ولن يكون ضمن مفردات الطوارئ ابدا اعتبار للانضباط المدني ، لأن المهم في ظل النظم الشموليه هو أمن الحاكم وأركان نظامه فقط.  ومن المعلوم في علوم التخطيط أننا دائما نضع الخطه والخطه البديله حتى لا يحدث اضطراب وفوضى حال فشل الخطه الرئيسيه ، وعموما يشار إلى الخطه البديله دائما في اللغة الإنجليزيه بالخطه "B" وأحيانا يكون هناك خطه ثالثه بديله لزيادة الاحتياط. 
واعتقد أنكم ستوافقوني الرأي أن حاكم مثل مبارك ورجال مثل العادلي وصفوت الشريف وسرور وزكريا عزمي ومن قبلهم كمال الشاذلي وغيرهم ، لن يفوتهم أبدا وضع خطة لإدارة شئون البلاد في حال إنحسار سلطان النظام لأي سبب مؤقت أو دائم ، بل أقول وبثقه أن حبيب العادلي لا يمكن إلا أن يكون قد وضع خطة بي لوزارة الداخليه وهي التي تحكم العمل الأمني منذ انسحاب الشرطه من ميدان التحرير وحتى اليوم ، وقوام هذه الخطه جيش من البلطجيه الذين كان يستخدمهم العادلي في عمله وبعض من الضباط الذين يفضلونها "نحن الأسياد" .
كما اعتقد أنكم ستوافقوني الرأي أيضا أنه ما من طاغية يجلس على كرسي العرش ويتصور أنه باقٍ إلى الأبد وبلا مقاومه وأنه لن يجرؤ أحد على رفع رأسه أو الانقلاب عليه ، فهذا من قبيل السفه السياسي ولا أظن أن السادات ومن بعده مبارك كان بهذا السفه السياسي.  بل إن الخطة بي للسادات تم تنفيذها بالحرف بمجرد إطلاق الرصاص عليه في المنصه ، حيث بدأت الشرطه العسكريه بالإسراع في تأمين النائب حسني مبارك ثم قيام الإعلام ببث خبر اغتيال السادات ثم بجلسة مجلس الشعب والشورى التي تم الاتفاق فيها على تولي مبارك خلافة السادات واستمرار الدوله والحكومه والمؤسسات الدستوريه في عملها بلا مشاكل ، وما تلى ذلك من محاكمات كان تحصيل حاصل ، والخطه انتهت بتولي مبارك الرئاسه .  فهل جلس مبارك ثلاثين عاما بلا خطة بي بعد أن أتت به خطة السادات إلى الرئاسه ؟ مستحيل .
لذلك يجب أن نسأل الأسئلة التاليه :  (1) هل كانت هناك خطة طوارئ في عهد مبارك لإدارة البلاد حال قيام انقلاب عسكري أو ثوره خاصة وأنهم بتحليلاتهم كانوا متأكدين من حدوث ثورة أسموها "ثورة الجياع" وكانت في تقديراتهم "وشيكه" ؟ والمنطق والواقع وحقائق الأمور والمشاهدات منذ قيام الثوره كلها تؤكد أنه كانت هناك خطه بي للنظام ، وفي كل دول العالم يتولى تفعيل وتنفيذ الخطه أعلى سلطه عسكريه في البلاد.
(2) هل كانت الخطه تنص على تكليف أحمد شفيق بتشكيل حكومه تسيير أعمال ؟
(3) هل ما نحن فيه منذ تنحي المخلوع وحتى اليوم من الممكن أن يكون عباره عن وقائع الخطه السريه لإدارة البلاد بما في ذلك اختلاق كل تلك الأزمات التي مررنا بها حتى اليوم لتكريس العصيان المدني والفوضى وعدم الاستقرار ؟
(4) هل كانت هناك "فالكيري مصريه"؟ وما كان اسمها ؟
(5) لماذا يخرج علينا عمر سليمان "رجل المخابرات الأول" في مصر لتلاوة بيان التنحي ؟ وهل قراءته للبيان هي كلمة السر وساعة الصفر لانطلاق فالكيري المصريه مثلما كانت كلمة ديليسبس في خطاب عبد الناصر لانطلاق عناصر خطة تأميم القناه ؟
(6) وإذا سلمنا بداهة ومنطقيا بوجود خطه ، فما الذي تنص عليه الخطة بالنسبة لانتخابات الرئاسه ، هل ستُفضي بنا الخطه إلى تولية الرئاسه لشخصية تدين بالولاء لمبارك وتم تحديد اسمها مسبقا في فالكيري المصريه ؟ هل سنرى رئيس يتلاعب بنا ويسوف ويماطل حتى نصاب بالزهق والإحباط ؟ هل سيتم تكريس الأمن لإغلاق ميدان التحرير وكافة ميادين التحرير في مصر حتى تستقر الأمور للطاغوت الجديد ؟
(7) وأخيرا ، ترى ، ما الذي تنص عليه الخطه فالكيري المصريه بعد خطوة "إجراء انتخابات رئاسيه" وانتخاب رئيس ؟ أستر يارب.
إنني دائما أميل إلى التأمل ، ولكني اليوم أدعو كل من حولي كي يتأملوا بدلا من أن يتألموا ، لابد أن نتعامل مع المعطيات التي يفرضها منطق وواقع الأمور ولابد أن نبحث في كلّ منها ، ومفردة اليوم هي "لا دوله بلا خطة بي" فهل ما حدث منذ الثاني عشر من فبراير 2011 حتى اليوم هو وقائع الخطه كما رسمها الخبراء الاستراتيجيون لنظام مبارك ؟ .
الجزء الثاني من هذا التأمل يأتي في اتجاه المستقبل ، واعتقد أن وجود خطة بي مصريه لتأمين السلام المدني والمواطنين اثناء حدوث "الطوارئ" أهم في وجهة نظري اليوم من وضع الدستور .  وهنا لابد من وضع تعريف ومحددات لاصطلاح الطوارئ ، ومن المؤكد أن نشوب صراع طائفي مسلح يعتبر من ألطوارئ ، وأن محاولات تسليح بعض التيارات السياسيه أو الدينيه أو غيرها يعتبر من الطوارئ ، وأن انتشار البلطجه والمخالفات الجنائيه من الطوارئ ، وأن تحرش إسرائيل بالحدود المصريه يعتبر من الطوارئ ، وأن الهجوم على المجلس العسكري ومجلس القضاء الأعلى لهدم أركان الدوله من الطوارئ واترك الباقي للمسئولين حتى يحددوا إطار لاصطلاح "الطوارئ" اليوم.
والسؤال الذي يلح عليّ في اتجاه المستقبل هو "هل لدينا خطة لتأمين وإدارة مصر إذا قام العدو الصهيوني أو نجح أصحاب مزارع الفتن الخضراء والحمراء والسوداء بإشعال فتيل صراع من أي نوع بين فئتين ؟
أعتقد أننا يجب أن نتبنه لهذا الشأن وتكن لدينا خطه ، وأنا واثق أن هناك خطه قويه ، كما أنني واثق أن ما حدث منذ التنحي وحتى اليوم كان في إطار خطة طوارئ نظام مبارك مع بعض الانحرافات التي فرضتها بعض الضغوط وردود الأفعال من الميدان التي لم يتوقعها المخطط ، وسيثبت التاريخ يوما أن هذه الرؤية رؤية موضوعيه وثاقبة ، وإلا ما معنى أن يبقى مبارك طيلة هذه المده في امان وتأمين لا يقل عما كان وهو في أوج سلطانه ، وما معنى أن كل الأحداث التي مررنا بها على مدار عام وشهرين تقريبا وراح ضحيتها الأبرياء من الشباب لم يُعلن عن مرتكبيها حتى اليوم ولا حكم واحد صدر ضد من قتلوا ألبرياء في كل ارجاء مصر ، ولا تحقيق واحد تم الأعلان عن تقاريره ومن تدين وإلى من يتم توجيه أصابع الاتهام ، وما معنى استمرار الأزمات بصفة منتظمه وبلا حلول وكلها أزمات يعرف مبارك ورجاله أنها مفاتيح اللعب في السلام المدني ؛ البوتاجاز ، البنزين ، الخبز ، إضراب عمال المصانع (أليس معظم عمال المصانع ينتمون إلى الحزب الوطني) ، ضعف الأمن ، المصادمات الدمويه بين المتعصبين في مبارايات كرة القدم ، المسلم والمسيحي ، وغير ذلك . 
أشد ما يقلقني أن تكون الخطه بي المصريه قائمة على الاستعانه بالأخوان المسلمين خلال فترة تنفيذ الخطه كي يأمنوا جانبهم فهم الأخطر على أي خطه ، ثم الانتظار حتى اللحظات الأخيره الحاسمه لسحب السجاده من تحت أرجل الأخوان إما بإذاعة فضائح أو أسرار احتفظ بها نظام المخلوع لوقت اللزوم.

No comments: